بعد وقف إطلاق النار: إعادةُ بناء وطن جامع ضمانةٌ للبقاء
منى فواز - 02.12.2024
النبطية، جنوب لبنان (الصورة: إيزابيلا سرحان، تشرين الثاني 2024)
بينما يلتقط المواطنون في لبنان أنفاسهم آملين أن تدوم فترة وقف إطلاق النار، هل يمكننا تخيّل سيناريو للوحدة والتآلف بعد الكارثة بين أبناء الشعب الواحد المختلف سياسيًا والمتفّق حول التزامه المشترك بالعيش معًا؟
هل ستضعنا عمليات إعادة الإعمار على مسار استعادة هويتنا الجماعية تحت وصاية الدولة الشرعية أم أننا سنكرّر أنماط الماضي من تبنّي مشاريع "‘إعادة الإعمار" التي رسّخت الانقسامات وأضعفت المؤسسات العامة وعزّزت نفوذ الزعامات عبر نهج الزبائنية؟
بصفتي مخطّطة مدينية أمضت حياتها في لبنان وشهدت على كوارثه العديدة من "حروب" و"عمليات إعادة إعمار"، أودّ أن أقترح عدّة مسارات لإعادة الإعمار من منظوري المهني.
في البداية، لا يمكن اعتبار التخطيط المديني بديلاً عن تعافٍ وطني أشمل يعيد الثقة بالمؤسسات العامة ويُخضعها للمحاسبة ويحيي الإدارة الديمُقراطية والشفّافة للبلاد بعد أعوام من الحكم الاستغلالي. لكنّ التخطيط المديني قد يكون نقطة انطلاق لحوارات بنّاءة تمسّ الحاجة إليها تركّز على البعد المشترك للحياة المدينية وتولي الأولوية للعمليات التشاركية الجامعة للناس.
ودعوني أنوّه بأن نطاق الدمار الذي خلّفته الحرب الأخيرة على لبنان فادح، وأن حجم الدمار في بيروت قد فاق أرقام حرب 2006 بأضعافٍ عدّة، كما هو الحال في البقاع والجنوب. ودعوني أنوّه أيضًا بأن لبنان يواجه تحديات التعافي في ظل أزمات متداخلة عديدة فشل في حلّها. فبعد أربعة أعوام على الانهيار المالي والسياسي، لم يتحقق أي شكل من أشكال التعافي. يعاني 80% من سكان البلاد من الفقر المدقع حاليًا.
كما أن البلاد لم تنتخب رئيسًا لها بعد أكثر من عامين على الشغور الرئاسي ويديرها رئيس حكومة تصريف الأعمال منذ ما يزيد عن أربعة أعوام. في هذه الأثناء، اندلعت الحرب من جديد في سوريا ما يشير إلى أن أزمة اللجوء المستمرة منذ 13 عامًا لن تُحلّ قريبًا.* ومع ذلك، هناك العديد من الحلول المتاحة لحلّ أزمة أعادة الإعمار.
أولاً، يجب الاعتراف بأن تجارب لبنان السابقة في التعافي ما بعد الكارثة لم تكن ناجحة على الإطلاق.
فقد أدّى اعتماد الدولة على الجهات غير الحكومية، سواء الجهات الفاعلة الخاصة وغير الربحية والسياسية، التي تولّت عنها مهام التنسيق والتنظيم إلى ترسيخ آثار الحروب.
على لبنان أن يتعلّم من كوارث الماضي
تطول لائحة الأزمات التي نُكبت بها البلاد وأضعفت ثقة المواطنين بالدولة وقضت على ما تبقّى من إحساسهم بالهوية الجماعية، على رأسها تكليف الدولة شركة عقارية خاصة بمهمة إعادة إعمار وسط بيروت التاريخي في عام 1990 وآخرها انفجار المرفأ في عام 2020. وبدلاً من الاستفادة من روح التضامن بين الناس خلال العدوان الأخير وضعت الدولة المواطنين في منافسة مع بعضهم البعض للحصول على تعويضات مالية ضئيلة وذلك بسبب سوء تنسيقها للجهود، مما اضطر المواطنين إلى قرع أبواب الزعماء لإعادة بناء منازلهم. وبالتالي، رسّخت تداعيات الحروب أنماط الحروب نفسها.
من غير المحبّذ أن تتولى المؤسسات العامة اللبنانية مشاريع إعادة الإعمار بشكل كامل، لكنّها قد تلعب دورًا محوريًا على الصعيدين التنظيمي والتخطيطي في بناء علاقة مباشرة بين المواطنين والدولة بلا وساطة والمساواة بين المواطنين بلا محاباة وتشجيع المشاورات الجماعية التي تجمع سكان المناطق المنكوبة من خلال إقامة مشاريع على مستوى الأحياء تعلو فيها المصلحة العامة على المصالح الفردية الخاصة.
أولاً، على مجلس النواب اللبناني الموافقة فورًا على وضع إطار تنظيمي يسمح للسكان الذين خسروا منازلهم بإعادة بنائها كما كانت إلى الحدّ الذي لا يشكل انتهاكًا للأراضي العامة و/أو العناصر الأساسية للمصلحة العامة، حيث أن أنظمة البناء والتقسيم بوضعها الحالي تعيق هذه العملية تمامًا.
ومع أن هذه الخطوة قد ترسخ الاعتقاد الشائع بأن القانون في لبنان غير عادل، لكن هذا الاستثناء غير المتكرر يعترف بحق المواطنين في السكن والتعافي ويضمن عدم احتياجهم إلى وساطة الزعماء لإعادة بناء بيوتهم وإن لم يكن حلاً مثاليًا للتصميم. يعود ذلك إلى عدّة عوامل تشمل رداءة قانون البناء الحالي وعدم مراعاته لخصوصية البنى الريفية بالإضافة إلى سياسات التنظيم التي شرّعت بشكل استثنائي أوضاع العديد من المباني لقاء غرامات دون أن تعيد النظر في قصور الأطر التنظيمية نفسها و/أو أن تقيم مشروعًا مكانيًا يحسّن الأحياء السكنية.
والسبب في عدم مراعاة خصوصية البلدات القديمة وعمارتها هو تعنّت قانون البناء. فكان من الضروري في بعض الحالات، منها على سبيل المثال إعادة بناء البيوت التاريخية القديمة في قرى الجنوب والبقاع، التغاضي عن المخططات التوجيهية التي لم تراعي الطابع البنائي المحلي ولم تأخذ في الحسبان آثار الحروب التي تدعو الى مقاربات تحترم الهوية العمرانية المحلية. وفي حالات أخرى كان السبب تطبيع مبدأ الاستثناءات القانونية عوضًا عن مراجعة القوانين القديمة.
من أهم الدروس المستفادة من عمليات إعادة الإعمار بعد حرب عام 2006 هو أن السكان الذين سيُمنعون من إعادة بناء منازلهم سيبحثون عن زعيم "يحمي" حقهم في السكن بصرف النظر عن القانون، وسيحصلون على الحق بإعادة الإعمار كخدمة مقدّمة من جهة سياسية بدلاً من حق تضمنه الدولة لكل مواطن. ففي ضواحي بيروت، وُضع السكان الذين خسروا بيوتهم تحت خانة "بيئة حزب الله" ووقعوا ضحية الخلاف بين حكومة فؤاد السنيورة والحزب، فأصبحت مسألة إعادة البيوت رهن المفاوضات السياسية. من المؤكد أن العديد من المباني السكنية المتعددة الطوابق التي دمّرها العدوان الإسرائيلي الأخير قد استفادت من العفو الذي صدر بعد الحرب الأهلية الذي نظّم أوضاعها، ولكن سكانها لن يتمكنوا من إعادة بناء البيوت التي يملكونها دون تجديد رخص البناء.
هاجمت إسرائيل هؤلاء السكان على اعتبار أنهم "داعمون لحزب الله" لمجرّد إقامتهم في الحيّ، كما جرّمتهم حكومتهم للأسباب نفسها واتهمتهم بمخالفة قوانين البناء والتقسيم على الرغم من حصول بيوتهم على صفة قانونية كاملة قبل عقد من الزمن.
وفي ظل عجزهم عن الحصول على رخص بناء، أصبح خيارهم الوحيد تكليف حزب الله بمسؤولية إعادة البناء فبنوا بشكل عرضي دون رخص قانونية ونظّموا وضع المباني بعد أن أصدرت الحكومة عفواً في عام 2014 (بعد 8 سنوات على الحرب) يسمح للسكان الذين خسروا منازلهم بإعادة بنائها كما كانت.
ثانيًا، من الضروري توحيد حزمات التعويضات وتنظيمها بشكل يحترم المصالح المشتركة. فكما حصل في عام 2006، وُضع سكان الأحياء المتضرّرة من انفجار مرفأ بيروت في منافسة مع بعضهم البعض للحصول على تعويضات وإثبات استحقاقيتهم لها لدى الجهات الفاعلة التي كانت توزّع المساعدات آنذاك. وسرعان ما تحوّلت اللحظات الأولى من التضامن والتعافي المشترك في تلك الأوقات العصيبة إلى نزاع بين العائلات المتضرّرة حول المساعدات. لذا من الضروري تبنّي مشاريع مكانية على نطاق الأحياء تلمّ شمل سكان المدن والأحياء الحضرية، بدلاً من اختزال عملية إعادة الإعمار بإعادة بناء وإصلاح الشقق السكنية، والسعي قدر الإمكان إلى وضع أطر تعافٍ عادلة وجماعية تعزّز الممارسات التعاونية.
والأهم مما سبق هو التركيز على الجماعة من خلال مشاريع تُقام على مستوى المناطق والأحياء. فالعنف الذي مارسته إسرائيل مؤخرا في لبنان كان بمثابة حرب على الذاكرة الجماعية والعلاقات التي تربط الناس بأرضهم واستهداف للتجسيد المكاني للتعايش من خلال التشريد الجماعي وقصف المعالم الجماعية (مثل البلديات والأسواق) والمناظر الطبيعية والمباني الشعبية وتدمير مناطق بأكملها. يهدّد إغفال الطابع التاريخي للبلدات التي يُعاد بناؤها والنماذج المعمارية الأصلية للمدن والبلدات التي تمّ محوها والمناظر الطبيعية التي تميّزها ذاكرة الأماكن والروابط الاجتماعية لسكانها بشكل دائم.
إن عملية إعادة الإعمار التي تبدأ من مساحات الذاكرة الجماعية والأماكن العامة والشوارع المشتركة والمعالم العامة هي الضمانة الوحيدة لإبطال هذا التوجّه السائد وجمع اللبنانيين حول المصلحة العامة.
ومع أن فرص التعافي العام التي تجسّد هذا الإحساس الجماعي وتعيد الثقة بما تبقى من الدولة ضئيلة اليوم، ما زال هناك أمل في أن تعمّ مبادرات التعافي التي أطلقتها بعض البلديات جميع أنحاء البلاد. وسيساهم دعم الهيئات المانحة والدولية لتلك الجهات العامة في إطلاق المزيد من جهود التعافي التشاركية في الأحياء، لعلّنا نحقّق هذه المرة نجاحًا أكبر من كافة تجاربنا السابقة.
* نُشر هذا المقال باللغة الإنكليزية في 2 كانون الأول 2024، لذا لم يتم تحديث بعض الحقائق والأحداث المتعلقة بلبنان وسوريا منذ تاريخه. لقراءة المقال الأصلي على موقع العربي الجديد، يرجى زيارة هذا الرابط.
هل ستضعنا عمليات إعادة الإعمار على مسار استعادة هويتنا الجماعية تحت وصاية الدولة الشرعية أم أننا سنكرّر أنماط الماضي من تبنّي مشاريع "‘إعادة الإعمار" التي رسّخت الانقسامات وأضعفت المؤسسات العامة وعزّزت نفوذ الزعامات عبر نهج الزبائنية؟
بصفتي مخطّطة مدينية أمضت حياتها في لبنان وشهدت على كوارثه العديدة من "حروب" و"عمليات إعادة إعمار"، أودّ أن أقترح عدّة مسارات لإعادة الإعمار من منظوري المهني.
في البداية، لا يمكن اعتبار التخطيط المديني بديلاً عن تعافٍ وطني أشمل يعيد الثقة بالمؤسسات العامة ويُخضعها للمحاسبة ويحيي الإدارة الديمُقراطية والشفّافة للبلاد بعد أعوام من الحكم الاستغلالي. لكنّ التخطيط المديني قد يكون نقطة انطلاق لحوارات بنّاءة تمسّ الحاجة إليها تركّز على البعد المشترك للحياة المدينية وتولي الأولوية للعمليات التشاركية الجامعة للناس.
ودعوني أنوّه بأن نطاق الدمار الذي خلّفته الحرب الأخيرة على لبنان فادح، وأن حجم الدمار في بيروت قد فاق أرقام حرب 2006 بأضعافٍ عدّة، كما هو الحال في البقاع والجنوب. ودعوني أنوّه أيضًا بأن لبنان يواجه تحديات التعافي في ظل أزمات متداخلة عديدة فشل في حلّها. فبعد أربعة أعوام على الانهيار المالي والسياسي، لم يتحقق أي شكل من أشكال التعافي. يعاني 80% من سكان البلاد من الفقر المدقع حاليًا.
كما أن البلاد لم تنتخب رئيسًا لها بعد أكثر من عامين على الشغور الرئاسي ويديرها رئيس حكومة تصريف الأعمال منذ ما يزيد عن أربعة أعوام. في هذه الأثناء، اندلعت الحرب من جديد في سوريا ما يشير إلى أن أزمة اللجوء المستمرة منذ 13 عامًا لن تُحلّ قريبًا.* ومع ذلك، هناك العديد من الحلول المتاحة لحلّ أزمة أعادة الإعمار.
أولاً، يجب الاعتراف بأن تجارب لبنان السابقة في التعافي ما بعد الكارثة لم تكن ناجحة على الإطلاق.
فقد أدّى اعتماد الدولة على الجهات غير الحكومية، سواء الجهات الفاعلة الخاصة وغير الربحية والسياسية، التي تولّت عنها مهام التنسيق والتنظيم إلى ترسيخ آثار الحروب.
على لبنان أن يتعلّم من كوارث الماضي
تطول لائحة الأزمات التي نُكبت بها البلاد وأضعفت ثقة المواطنين بالدولة وقضت على ما تبقّى من إحساسهم بالهوية الجماعية، على رأسها تكليف الدولة شركة عقارية خاصة بمهمة إعادة إعمار وسط بيروت التاريخي في عام 1990 وآخرها انفجار المرفأ في عام 2020. وبدلاً من الاستفادة من روح التضامن بين الناس خلال العدوان الأخير وضعت الدولة المواطنين في منافسة مع بعضهم البعض للحصول على تعويضات مالية ضئيلة وذلك بسبب سوء تنسيقها للجهود، مما اضطر المواطنين إلى قرع أبواب الزعماء لإعادة بناء منازلهم. وبالتالي، رسّخت تداعيات الحروب أنماط الحروب نفسها.
من غير المحبّذ أن تتولى المؤسسات العامة اللبنانية مشاريع إعادة الإعمار بشكل كامل، لكنّها قد تلعب دورًا محوريًا على الصعيدين التنظيمي والتخطيطي في بناء علاقة مباشرة بين المواطنين والدولة بلا وساطة والمساواة بين المواطنين بلا محاباة وتشجيع المشاورات الجماعية التي تجمع سكان المناطق المنكوبة من خلال إقامة مشاريع على مستوى الأحياء تعلو فيها المصلحة العامة على المصالح الفردية الخاصة.
أولاً، على مجلس النواب اللبناني الموافقة فورًا على وضع إطار تنظيمي يسمح للسكان الذين خسروا منازلهم بإعادة بنائها كما كانت إلى الحدّ الذي لا يشكل انتهاكًا للأراضي العامة و/أو العناصر الأساسية للمصلحة العامة، حيث أن أنظمة البناء والتقسيم بوضعها الحالي تعيق هذه العملية تمامًا.
ومع أن هذه الخطوة قد ترسخ الاعتقاد الشائع بأن القانون في لبنان غير عادل، لكن هذا الاستثناء غير المتكرر يعترف بحق المواطنين في السكن والتعافي ويضمن عدم احتياجهم إلى وساطة الزعماء لإعادة بناء بيوتهم وإن لم يكن حلاً مثاليًا للتصميم. يعود ذلك إلى عدّة عوامل تشمل رداءة قانون البناء الحالي وعدم مراعاته لخصوصية البنى الريفية بالإضافة إلى سياسات التنظيم التي شرّعت بشكل استثنائي أوضاع العديد من المباني لقاء غرامات دون أن تعيد النظر في قصور الأطر التنظيمية نفسها و/أو أن تقيم مشروعًا مكانيًا يحسّن الأحياء السكنية.
والسبب في عدم مراعاة خصوصية البلدات القديمة وعمارتها هو تعنّت قانون البناء. فكان من الضروري في بعض الحالات، منها على سبيل المثال إعادة بناء البيوت التاريخية القديمة في قرى الجنوب والبقاع، التغاضي عن المخططات التوجيهية التي لم تراعي الطابع البنائي المحلي ولم تأخذ في الحسبان آثار الحروب التي تدعو الى مقاربات تحترم الهوية العمرانية المحلية. وفي حالات أخرى كان السبب تطبيع مبدأ الاستثناءات القانونية عوضًا عن مراجعة القوانين القديمة.
من أهم الدروس المستفادة من عمليات إعادة الإعمار بعد حرب عام 2006 هو أن السكان الذين سيُمنعون من إعادة بناء منازلهم سيبحثون عن زعيم "يحمي" حقهم في السكن بصرف النظر عن القانون، وسيحصلون على الحق بإعادة الإعمار كخدمة مقدّمة من جهة سياسية بدلاً من حق تضمنه الدولة لكل مواطن. ففي ضواحي بيروت، وُضع السكان الذين خسروا بيوتهم تحت خانة "بيئة حزب الله" ووقعوا ضحية الخلاف بين حكومة فؤاد السنيورة والحزب، فأصبحت مسألة إعادة البيوت رهن المفاوضات السياسية. من المؤكد أن العديد من المباني السكنية المتعددة الطوابق التي دمّرها العدوان الإسرائيلي الأخير قد استفادت من العفو الذي صدر بعد الحرب الأهلية الذي نظّم أوضاعها، ولكن سكانها لن يتمكنوا من إعادة بناء البيوت التي يملكونها دون تجديد رخص البناء.
هاجمت إسرائيل هؤلاء السكان على اعتبار أنهم "داعمون لحزب الله" لمجرّد إقامتهم في الحيّ، كما جرّمتهم حكومتهم للأسباب نفسها واتهمتهم بمخالفة قوانين البناء والتقسيم على الرغم من حصول بيوتهم على صفة قانونية كاملة قبل عقد من الزمن.
وفي ظل عجزهم عن الحصول على رخص بناء، أصبح خيارهم الوحيد تكليف حزب الله بمسؤولية إعادة البناء فبنوا بشكل عرضي دون رخص قانونية ونظّموا وضع المباني بعد أن أصدرت الحكومة عفواً في عام 2014 (بعد 8 سنوات على الحرب) يسمح للسكان الذين خسروا منازلهم بإعادة بنائها كما كانت.
ثانيًا، من الضروري توحيد حزمات التعويضات وتنظيمها بشكل يحترم المصالح المشتركة. فكما حصل في عام 2006، وُضع سكان الأحياء المتضرّرة من انفجار مرفأ بيروت في منافسة مع بعضهم البعض للحصول على تعويضات وإثبات استحقاقيتهم لها لدى الجهات الفاعلة التي كانت توزّع المساعدات آنذاك. وسرعان ما تحوّلت اللحظات الأولى من التضامن والتعافي المشترك في تلك الأوقات العصيبة إلى نزاع بين العائلات المتضرّرة حول المساعدات. لذا من الضروري تبنّي مشاريع مكانية على نطاق الأحياء تلمّ شمل سكان المدن والأحياء الحضرية، بدلاً من اختزال عملية إعادة الإعمار بإعادة بناء وإصلاح الشقق السكنية، والسعي قدر الإمكان إلى وضع أطر تعافٍ عادلة وجماعية تعزّز الممارسات التعاونية.
والأهم مما سبق هو التركيز على الجماعة من خلال مشاريع تُقام على مستوى المناطق والأحياء. فالعنف الذي مارسته إسرائيل مؤخرا في لبنان كان بمثابة حرب على الذاكرة الجماعية والعلاقات التي تربط الناس بأرضهم واستهداف للتجسيد المكاني للتعايش من خلال التشريد الجماعي وقصف المعالم الجماعية (مثل البلديات والأسواق) والمناظر الطبيعية والمباني الشعبية وتدمير مناطق بأكملها. يهدّد إغفال الطابع التاريخي للبلدات التي يُعاد بناؤها والنماذج المعمارية الأصلية للمدن والبلدات التي تمّ محوها والمناظر الطبيعية التي تميّزها ذاكرة الأماكن والروابط الاجتماعية لسكانها بشكل دائم.
إن عملية إعادة الإعمار التي تبدأ من مساحات الذاكرة الجماعية والأماكن العامة والشوارع المشتركة والمعالم العامة هي الضمانة الوحيدة لإبطال هذا التوجّه السائد وجمع اللبنانيين حول المصلحة العامة.
ومع أن فرص التعافي العام التي تجسّد هذا الإحساس الجماعي وتعيد الثقة بما تبقى من الدولة ضئيلة اليوم، ما زال هناك أمل في أن تعمّ مبادرات التعافي التي أطلقتها بعض البلديات جميع أنحاء البلاد. وسيساهم دعم الهيئات المانحة والدولية لتلك الجهات العامة في إطلاق المزيد من جهود التعافي التشاركية في الأحياء، لعلّنا نحقّق هذه المرة نجاحًا أكبر من كافة تجاربنا السابقة.
* نُشر هذا المقال باللغة الإنكليزية في 2 كانون الأول 2024، لذا لم يتم تحديث بعض الحقائق والأحداث المتعلقة بلبنان وسوريا منذ تاريخه. لقراءة المقال الأصلي على موقع العربي الجديد، يرجى زيارة هذا الرابط.
المزيد من المقالات والمقابلات عن إعادة إعمار ما بعد الحرب
- https://metropolitiques.eu/Comment-reconstruire-le-Liban.html
- https://alsifr.org/reconstruction-model-lebanon-needs
- https://daraj.media/en/israels-demolition-and-displacement-strategy-in-lebanon-scorched-earth-policy-as-a-tool-of-war/
- https://www.youtube.com/watch?v=bMr3Ve0bjvw
- https://www.youtube.com/watch?v=9oDGeqGUw0I