تسبب الانفجار المهول الذي وقع في مرفأ بيروت في الرابع من آب عام 2020 بمقتل أكثر من 200 شخص وإصابة 6،000 واختفاء العشرات. تبيّن الاحصاءات أن الأضرار المادية طالت أكثر من 300 ألف منزل ومصدر رزق في الأحياء السكنية المجاورة للمرفأ. حشد مختبر المدن في بيروت الجهود الداعمة على الأرض وأطلق مبادرات خاصة خلال الزيارات الميدانية والتقييم المبكر للوضع.واستطعنا تمييز بعض الأنماط المعتادة من الاستجابة لما بعد الكارثة. ففي ظل فشل مؤسسات الدولة المستمر في إدارة الأزمات وعجزها عن تحمل مسؤولياتها في رعاية المصلحة العامة، يتحول تنسيق عملية التعافي التي تتمحور حول البشر إلى تحدٍ هائل (أنظر فوّاز وحرب، 2020). إذ تعمل الجهات الفاعلة على الأرض في غياب تنسيق أو رؤية مشتركة أو إطار عمل محدد. فالنهج المتبع في عملية إعادة الإعمار الفعلية بمشاركة معظم المهتمين يعتمد بشكل عام على التقويم الكمّي والمادي للأضرار، حيث تشكل المباني محور التركيز. كما لا يرقى هذا النهج، على أهميته في بدء الإصلاحات المادية اللازمة، إلى استيعاب التعافي الحضري كعملية جامعة متعددة المستويات تتعدى كونها عملية مادية وإنسانية لتمثّل عملاً توافقياً يصلح ما بين الناس والمكان.كما أنه فشل في وضع الانفجار ضمن إطار العمليات الحضرية التاريخية التي أدّت إلى إنشاء وتطور الأحياء السكنية الأكثر تضرراً، إذ تعامل مع الانفجار بوصفه تصدّعاً مؤقتاً (أنظر الحارثي، 2020، فوّاز، 2020). ومع ذلك، يبرز دور الجيش الريادي، في ظل الأجواء السياسية السائدة في لبنان قبيل لحظة الانفجار وبعده وغياب المؤسسات العامة، في تنسيق الجهود المبذولة على الأرض.
مرصد إعادة إعمار بيروت
بالاستناد إلى قاعدة بيانات البيئة العمرانية في بيروت، يعمل المختبر على إطلاق منصة للمعلومات الجغرافية لدعم عملية تقويم الأضرار وجهود التعافي وتنسيقها ومراقبتها، ضمن اتجاهات التطوير التاريخية والمستويات المختلفة للمعلومات المتاحة عن الأحياء السكنية المحيطة بمرفأ بيروت، وذلك بالتعاون مع شركائنا من جامعة رايس ونقابة المهندسين في لبنان و Open Map Lebanon وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية والمنظّمة غير الحكومية نُساند. تهدف المنصة إلى تسهيل عملية التنسيق بين المساهمين المتعدّدين وإنتاج الخرائط وتحليلات البيانات والاستنتاجات وتوزيعها على سكان المدينة لإطلاعهم على عمليات الإعمار الجارية بالإضافة إلى دعم الجهود الموجهّة لوضع إطارعمل للتعافي الحضري. وستتحول هذه المنصة في نهاية المطاف إلى مرصد إعادة إعمار بيروت.سيقدّم المرصد معلومات عن عدة مؤشرات متعلّقة بالإسكان والبنى التحتية والمساحات العامة ونطاق الضرر ضمن الأحياء السكنية. ولهذه الغاية، تعاون مختبر المدن في بيروت مع ACTED والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR لإنتاج ستة موجزات عن الأحياء السكنية: الكرنتينا، ومار مخايل، والجعيتاوي، والبداوي، وكرم الزيتون/فسّوح، والباشورة. تمكنّا من تحديد التوجهات التي أثّرت على التحوّلات الحضرية لحظة الانفجار في كل حيّ من تلك الأحياء، ووثّقنا الطرق التي يجري العمل بها في الترميم والإصلاح. وهي تشكّل العناصر الأولى لخرائط المرصد والتي سننشرها قريباً مع شركائنا. بالإضافة إلى ما سبق، سيعمل المرصد على تحديد الجهات الفاعلة وآليات الحوكمة والتمويل لإعادة الإعمار على المستوى الوطني وذلك لاغتنام الفرص المحتملة التي من شأنها التأثير على عملية صنع القرار وتحويلها إلى عملية شاملة متمحورة حول الناس.