إطلاق مرصد حضري في خضم عملية تعافٍ شاقة وبطيئة

10.08.2021
نطلق اليوم المرصد الحضري كمساهمة متواضعة من مختبر المدن في بيروت في تحسين تدابير التنسيق وإبراز عملية التعافي.
أعمال إعادة إعمار ما بعر الانفجار التي تقوم بها المنظمات غير الحكومية في الجميزة/مار مخايل (تصوير: منى حرب، آب 2021)
أعمال إعادة إعمار ما بعر الانفجار التي تقوم بها المنظمات غير الحكومية في الجميزة/مار مخايل (تصوير: منى حرب، آب 2021)
مضى عامٌ كاملٌ على انفجار مرفأ بيروت وما زلنا نشهدحركات التعبئة الاجتماعية المستمرّة بإغاثة سكان الأحياء المتضرّرة من الانفجار التي لا يسعنا إلا الوقوف احتراماً لها. ففي خضّم الأزمات الاقتصادية والسياسية والصحية الطاحنة، يحاول سكان المدينة - إما بشكل عفويّ أو منظّم بالتعاون مع مجموعة متنوعة من المنظّمات المحلية والدولية - لملمة الجراح رغم معاناتهم في إصلاح البيوت والمؤسسات والمحلات التجارية والمدارس والمستشفيات وإعادة الحياة إلى مدينتهم، وذلك في غياب شبه تام للدولة ومؤسساتها التي كان من المفترض أن تنسّق عملية التعافي وتخطّط لها وتموّلها بنفسها.

لم يلتق أفراد اللجنة الوطنية التي كُلّفت بعملية التعافي في أيلول 2020 (وفقاً لقانون 194/2020) أبداً ولم يطلقوا أي إستراتيجية للتعافي. وقد تعرقل سير الإصلاحات والتعافي بسبب هذا الغياب الصارخ. أما الأسوأ مما ذُكِر، فكان تفويض المنظمات غير الحكومية بالتصليحات دون تنسيق مركزي ما أدّى إلى ظهور أوجه تفاوت وتضارب عادةً ما تحدث شرخاً بين المجتمعات المحلية. بعد مضي 365 يوماً على الكارثة، وبعد الإطلاع على استبيانات سريعة أجريناها في المختبر، تشير تقديراتنا إلى وجود أقل من شقة واحدة مسكونة من كل أربع شقق متضررة من الانفجار، ومتجر واحد مغلق من كل متجرين، و640 مبنى أثري سُجّل كمبنى متضرر (حسب استبيان نقابة المهندسين، أيلول 2020)، ما زال بحاجة لترميم جزئي أو كامل، بينما يظل دمار المرفأ على ما هو عليه.
المدن هي من صنيع أهلها، وجراح أهل بيروت غائرة. تتعالى الصرخات اليوم مطالبةً بالمحاسبة وهذا هو المطلب الأهم لإنجاح عملية التعافي. كوننا أمهات وأخوات وإخوة وبنات وأبناء، نضم أصواتنا إلى أصوات سكان المدينة التي تطالب بتحقيق عادل ومساءلة كاملة. وكوننا باحثون حضريون ومهنيون محترفون في البيئة المبنية، فإننا ندرك أهمية هذه العدالة كعنصر جوهري في عملية التعافي – وكسابقٍ لها بالضرورة. بعض الخسائر لا تُعوّض ولكن بات لزاماً علينا تغيير مسار إدارة المدينة وإحداث تغيير جذري بحيث تُصمّم أطر العمل السياسية والاقتصادية لصالح المدينة لكي تكون منتجة ودامجة. ووحدها الإدارة العادلة تضمن تحقيق هذا الهدف.

لا شك أن التحديات التي أمامنا هائلة، ولكننا ملتزمون كمختبر حضري بتطوير مدينة صالحة للحياة والسكن ومتمسّكون بحاجتنا إلى الخيال والأمل بإمكانية صنع مدينة عادلة يصمّمها الناس للناس. نطلق اليوم المرصد الحضري كمساهمة متواضعة من مختبر المدن في بيروت في تحسين تدابير التنسيق وإبراز عملية التعافي. ومع غياب وصيّ رسمي على هذه العملية تتجلّى أهمية منابر تبادل المعرفة ومشاركتها، على أنها لا تحلّ محلّ الدولة الغائبة في ظلّ الحاجة إليها. ومع ذلك، بإمكان الدولة توفير خدمة التنسيق الأساسية بين الجهات الفاعلة على الأرض وذلك عبر تحسين إمكانية الوصول إلى المعلومات وإتاحة تبادل البيانات. يتألف موقع المرصد الحضري في بيروت الذي نطلقه اليوم من ست مكوّنات، إصدار أول يتيح الوصول إلى التقويمات الأولية للأضرار والظروف الحضرية في المدينة قبل الانفجار وقراءة أولية للعودة إلى الحياة الطبيعية ولمحة عامة عن المساحات المفتوحة والمشاريع المجتمعية والعوامل الاجتماعية والاقتصادية على مستوى الحيّ، وغيرها. تمثّل هذه العناصر نقطة بداية لمشروع طموح على المدى الأطول يثري معرفتنا عبر عقد شراكات مع الجهات الفاعلة والمؤسسات والجمعيات المشاركة بشكل مباشر في عملية إعادة إعمار ما بعد الكارثة.

ندعوكم اليوم إلى زيارة موقع المرصد والانضمام إلى المنصة لمشاركتنا أفكاركم وآراءكم وذلك بهدف توسيع قاعدة المعلومات التشاركية. يداً بيد، بإمكاننا إطلاق عمليات أكثر شمولية وتنوعاً تساهم في استعادة العدالة الاجتماعية في مدينتنا.