خريطة الضربات المعلنة على جنوب بيروت خلال شهر من العدوان (27 أيلول - 4 تشرين الثاني 2024)

منذ 27 أيلول/سبتمبر وسّعت إسرائيل رقعة عدوانها الغاشم على لبنان فضربت العاصمة بيروت وغيرها من المناطق1 مدمّرةً ما لا يقل عن 325 مبنى 2 في جنوب مدينة بيروت. امتدّ دمار الآلة الإسرائيلية لما يزيد عن 11,87 كيلومترًا مربعًا في العاصمة، أي ما يزيد عن نصف الحدود العمرانية المباشرة فيها.3

ترصد الخريطة "تهديدات" نشرها الجيش الإسرائيلي بين 27 أيلول/سبتمبر و4 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 تحذيرًا لسكان جنوب بيروت المدنيين بالإخلاء الفوري والابتعاد مسافة 500 مترًا عن المباني المستهدفة. يُنشر التهديد باللغة العربية في المساء عادةً على موقع التواصل الاجتماعي "إكس" (تويتر سابقًا) قبل فترة قصيرة من الغارة أو الغارات تتراوح بين دقائق معدودة وساعة كحدٍ أقصى. يُرفق التهديد بصورة جويّة تحدّد باللون الأحمر المبنى أو المباني والمجمّعات التي يُنوى استهدافها بغارة وشيكة وتضمّ معالم معيّنة في الحي السكني. كما يتضمّن التهديد أسماء الأحياء السكنية المستهدفة ويبرّر الهجمات القادمة بكونها قريبة من "منشآت لحزب الله."

أحصينا ما لا يقل عن 109 ضربة معلنة على 160 مبنى بين 27 أيلول/سبتمبر و4 تشرين الثاني/نوفمبر، أي أقل من نصف مجموع عدد المباني المدمّرة بقليل في ذلك الجزء من مدينة بيروت.4  ليست كل الضربات مسبوقة بمنشور تهديد بالإخلاء في الواقع. ومع ذلك تُبرز الرموز الحمراء الظاهرة على الخريطة حجم العنف وحدّته على امتداد جنوب بيروت وصولاً إلى حرم الجامعة اللبنانية في منطقة الحدث وحدود مدرج مطار بيروت الدولي والمناطق الصناعية في منطقة الشويفات. يشير الرمز الأزرق إلى الضربة الوحيدة التي أُعلن عنها بعد تنفيذ الضربة، وذلك يوم 27 أيلول/سبتمبر، تاريخ اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.

تركّز الخريطة على جنوب بيروت حيث تحمّلت دوائر الغبيري وحارة حريك وبرج البراجنة والمريجة – التحويطة – الليلكي والحدث الوطأة الأكبر للقصف خلال الشهر الماضي. تعرّضت كل منطقة من المناطق المذكورة لأكثر من 60 ضربة. تقع هذه الدوائر ضمن منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت التي تتعرّض لعدوان إسرائيلي مكثّف ومتكرّر منذ 27 أيلول/سبتمبر أدّى إلى تهجير مئات الآلاف من سكانها وتدمير مبانٍ سكنية وتجارية متعددة الطوابق. باختزالها للضاحية كـ"معقل" لحزب الله، وهو حزبٌ سياسي ممثّل بعدد من النواب والوزراء في المجلس النيابي والحكومة اللبنانية، واعتبارها الحزب مجرّد قوّة عسكرية تعمل خارج نطاق الدولة، تخلط إسرائيل (ومعظم وسائل الإعلام الغربية) ما بين الدعم السياسي والولاء والقوّة المسلحة – مشرّعةً استهداف المدنيين بسبب انتماءاتهم أوآرائهم السياسية. وبذلك تنكر إسرائيل حقيقة وجود التعدديّة والتنوّع في مختلف المناطق المؤلفة من أحياء سكنية ذات تاريخ عمراني واجتماعي واقتصادي وسياسي غني يسبق تاريخ حزب الله بعقود. إن هذا القصف هو أقرب إلى الإبادة العمرانية التي تمحو نسيجًا عمرانيًا كاملاً يشكّل مخطوطةً من الممارسات الاجتماعية-المكانية وتجسيدًا للذاكرة الجماعية. أخيرًا، يتغاضى مصطلح "معقل" عن الظروف التاريخية التي أدّت إلى دعم استعمال المقاومة المسلّحة في النضال ضد الجيش الإسرائيلي الذي اجتاح جنوب لبنان مرارًا وتكرارًا واحتلّ أراضيه وانتهك مجاله الجوي يوميًا وألحق أضرارًا جسيمة بسكانه.

لا ينشر الجيش الإسرائيلي تهديدات الإخلاء حرصًا على سلامة المدنيين، بل يمكن اعتبارها جزءًا من استراتيجية إسرائيل لصناعة الموافقة على ضرباتها المقبلة وشرعنة القصف تحت مزاعم وجود تهديد "إرهابي". كما أن هذه التهديدات مكوّن أساسي من استراتيجية إسرائيل لتأليب اللبنانيين على حزب الله مسقطةً من حساباتها واقع بيئته وجوانب حياتهم الاجتماعية والسياسية والعمرانية التي تعتمد عليه بشكل كلّي. تعزّز هذه الاستراتيجية مزاعم الجانب الإسرائيلي بأن الضربات الجوية تستهدف "منشآت حزب الله" فقط، بينما يطال الدمار البنى التحتية المدنية بأكملها.

أمّا بالنسبة إلى السكان، فتشكّل تهديدات الإخلاء، عدا عن كونها منذرات بالدمار والقتل، عنصرًا أساسيًا من جهاز الترويع الإسرائيلي ومكوّنًا جوهريًا من الحرب النفسية التي تُمارس ضد المواطنين اللبنانيين، والتي تشمل إرسال مسيّرات الاستطلاع ذات الطنين المزعج، وإجراء الاتصالات الآلية للإبلاغ عن غارة مرتقبة (وغالبًا ما يكون البلاغ كاذبًا) والاستهدافات المنفّذة عن طريق المسيّرات والتي تطال كافة الأراضي اللبنانية دون استثناء، بالإضافة إلى القصف الجوّي والبرّي العنيف اليومي الذي قضى على قرى بأكملها في جنوب البلاد وشرقها.

سوف يستمر مختبر المدن برصد هذه الضربات على بيروت وإنتاج المزيد من خرائط الأساس لتوثيق حجم العدوان الإسرائيلي وشجبه. يحدونا الأمل بأن يسهم هذا العمل في إخضاع إسرائيل للمحاسبة أمام المحاكم الدولية وتحقيق التعافي العادل مستقبلاً.




يمكن اعتبار تاريخ 17 أيلول/سبتمبر، أي يوم إطلاق هجمات البيجر منعطفًا حاسمًا للتصعيد العدواني.

تعتمد أعداد المباني المدمّرة التي أوردناها على بيانات Conflict Ecology Lab.

لتكوين فكرة عن حجم الدمار، نلفت عنايتكم إلى أن هذا النطاق هو أكبر من النطاق الأساسي الذي تضرر خلال حرب تموز بخمسة أضعاف.

4 يرجى الاطلاع على الحاشية رقم 2