إدارة الكوارث وفعالية المساعدات: دراسة لإطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار في لبنان

صوفي بلوميكيه, منى حرب - 07.11.2022
إدارة الكوارث وفعالية المساعدات: دراسة لإطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار في لبنان
الصورة: منى حرب، كانون الأول 2020
أبصر إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار النور عقب انفجار مرفأ بيروت. في هذا المقال، تحدّد صوفي بلوميكيه ومنى حرب ثلاث مجموعات مترابطة من القيود البنيوية التي تحدّ من فعاليّة الإطار.
بعد مرور عامين على انفجار مرفأ بيروت الذي تسبّب بتدمير ثلث العاصمة اللبنانية ومقتل أكثر من 220 شخصًا، ترك اثنان من أهم قادة ومصمّمي بنى المساعدات التي تستند إليها عملية التعافي الآن منصبيهما في لبنان من أجل قيادة برامج إصلاحية في الخارج1، مخلّفين وراءهما بنية إدارية لا يعرفها أغلب اللبنانيين باستثناء القلة القليلة منهم تسمّى إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار (3RF).

وإطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار هو منصّة أنشأها الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والبنك الدولي في العام 2020 في أعقاب انفجار مرفأ بيروت، هدفها توفير "إطار للعمليات الرئيسية الهادفة إلى دعم التعافي وإعادة الإعمار في بيروت"، وفق "تدابير مؤسسية شاملة" تجمع بين الحكومة والشركاء الدوليين والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني.2

في هذا السياق، أجرينا دراسةً قائمة على تعدد المنهجيات استخدمنا فيها بيانات أولية مستخرجة من 24 مقابلة ومن ملاحظات المشاركين وبحوثًا مكتبية3، بهدف تقييم أداء إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار حتى اليوم لتقصّي مدى فعاليته في إطلاق الإصلاحات وتعزيز المؤسسات والقدرة على التكيّف مع السياق السياسي، مع التركيز على إشراك مؤسسات المجتمع المدني، لا سيما على مستوى المجموعة الاستشارية (التي ضمّت مؤسسات مختارة من المجتمع المدني) وعلى مستوى التنسيق القطاعي (من خلال مجموعات العمل). توصّلت الدراسة إلى خلاصتين: أولاهما، أنّ الإطار، وعلى الرغم من احتوائه على تدابير مؤسسية فعّالة وقادرة على التكيّف تتيح إجراء الإصلاحات، يزيد من تفكّك المجتمع المدني. وثانيًا، يؤدي التنافس وعدم الاتساق بين المنظمات الدولية إلى ترسيخ الوضع السياسي الراهن.

نسعى في هذا المقال إلى النظر في ثلاث مجموعات مترابطة من القيود البنيوية التي تحدّ من فعالية أداء الإطار وتوصيفها، وهي: (1) أجندات المانحين المتنافسة وعدم الاتساق المؤسسي للمنصة، (2) الجمود السياسي وافتقار الحكومة اللبنانية للإرادة السياسية، و(3) المشاركة غير الكافية لمؤسسات المجتمع المدني في عمليات صنع القرار. وقبل الاستفاضة في شرح هذه القيود، نقدّم في ما يلي لمحة عامة عن الإطار.

لمحة عامة

يتبّع إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار في لبنان نهجًا مؤلفًا من مسارين. يهدف المسار الأول المرتكز على الناس إلى التعامل مع التعافي الفوري وتأمين الحاجات الملحّة، لا سيّما للفئات الأكثر عرضة، وهو مموّل من خلال المنح الدولية ومشروط بإصلاحات طفيفة. أما المسار الثاني، أي الإصلاح وإعادة الإعمار، فتموّله القروض الميسّرة ومصادر التمويل الخاصة، وهو مشروط بتنفيذ الإصلاحات الأساسية وتحقيق استقرار الاقتصاد الكلّي. ولتأمين التمويل، أنشأ كلّ من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي صندوقاً استئمانياً يُموّل من مانحين متعدّدين تحت اسم الصندوق الائتماني المخصّص للبنان، ويتمثّل بجمع المنح التمويلية ضمن إطار موحّد تهدف لتعزيز اتساق وتنسيق التمويل لتلبية أولويات التعافي والإصلاح وإعادة الإعمار على المديين القصير والمتوسط.

يستند الإطار إلى الإعلان المشترك لعام 2008 بشأن عمليات تقييم ما بعد الأزمات ووضع خطط التعافي. يشكل هذا الإعلان أساسًا للتعاون بين الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والبنك الدولي في تقييم التعافي وإعادة الإعمار والتنمية ووضع خطط لها في الدول المتضرّرة من الأزمات. وعادةً ما تُطبّق هذه الاتفاقية الثلاثية بعد تقييم سريع للأضرار والاحتياجات في الدول المتعافية من الكوارث أو بناءً على تقييم مبادرات التعافي وبناء السلام في الدول الخارجة من أزماتٍ سببها الصراعات أو الأوضاع الهشة.

وُضع إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار في لبنان بناءً على تقييم سريع للأضرار والاحتياجات أجري في الفترة الممتدّة بين 5 و31 آب 2020. يعالج هذا الإطار في المقام الأول إعادة الإعمار والتعافي على مستوى بيروت، بالإضافة إلى بعض الإصلاحات على المستوى الوطني. تستند أولويات الإطار لكل قطاع إلى أربع ركائز استراتيجية وهي: (1) الحوكمة والمساءلة، و(2) خلق فرص العمل والفرص الاقتصادية، و(3) الخدمات والبنى التحتية (وتحديدًا الإسكان والخدمات الحضرية وإعادة إعمار المرفأ)، و(4) الحماية الاجتماعية والإدماج الاجتماعي والثقافة.

تتكوّن الهيكلية المؤسسية للإطار من أربع وحدات: فريق فنّي وأمانة عامة، ومجموعة استشارية تضمّ ممثلين عن الحكومة والجهات الدولية المانحة والمنظّمات غير الحكومية/مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، وهيئة إشراف مستقلّة يقودها المجتمع المدني، ولجنة توجيهية تعرَف أيضًا باسم مجلس الشراكة، تعمل في الوقت نفسه بوصفها الجهة الناظمة للصندوق التي تحرص على توافق التمويل مع أولويات الإطار. بالإضافة إلى هذه الهيئات الأربع، تنصّ وثيقة الإطار على تأسيس مجموعات عمل على المستوى القطاعي.

عوائق تعترض فعالية المساعدات

 (1) عدم اتساق المساعدات
يفتقر اختصاص إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار إلى الوضوح من ناحية النطاق الموضوعي والجغرافي، ما يحدّ من فعاليّته. فنطاق الإطار غير واضح من حيث ارتباطه بآليات التنسيق الأخرى، مثل خطة لبنان للاستجابة للأزمة وخطة الاستجابة للطوارئ في لبنان، مما قد يؤدي إلى إضعاف أثره وخلق بنى موازية بدلًا من الاستفادة من التنسيق القائم حاليًّا. إضافةً إلى ذلك، يتسمّ التنسيق بين المنظّمات الرئيسية في الإطار وعلى مستوى القطاع بالتعقيد بسبب غياب المصطلحات المشتركة وغير ذلك من المسائل المؤسسية الداخلية. من جهة أخرى، تؤدي تدخّلات المجتمع الدولي إلى الجمود، ولو عن غير قصد، نتيجة اختلاف منطقهم المؤسسي الذي يخضع للمحاسبة وفقًا لأجندات مختلفة. علاوة على ذلك، يفتقر الإطار إلى آلية موحّدة للمراقبة وإعداد التقارير المرحلية، مما يضعف من آليات المحاسبة على الالتزامات، في ظلّ نقص آليات التقييم  أو غيابها التام، مثل منصة مشاركة المواطنين وآليات التظلّم. ومن هذا المنطلق، تضرّ هذه الأساليب غير المتسقة بفعالية تطبيق الإطار من ناحية المشاريع والإصلاحات على حدّ سواء.

(2) استراتيجية الجمود السياسي
يضم الإطار أيضًا مجموعات عمل قطاعية يفترض بها جمع مؤسسات المجتمع المدني والجهات المانحة وممثّلي الوزارات المعنية لتفادي تهميش الدولة ولمنع المؤسسات العامة من التنصّل من مسؤولياتها بسهولة. نظريًا، من المقرّر أن تعمل المجموعات القطاعية كوحدات عمل مرنة  للاستفادة من آليات التنسيق القائمة وتعزيز فعاليّتها. إلا أن التنسيق القطاعي لم يكتسب الزخم المناسب على الرغم من مرور عام على وضع الإطار ويعيد أصحاب المصلحة التفاوض بشأنه باستمرار. وهنا لا بد من الإشارة إلى ثلاث تحديات، هي: (1) افتقار التنسيق بين المنظمات الرئيسية، القيادية منها وتلك المشاركة في القيادة، إلى تعريف واضح للأدوار، وتزيد المسائل المؤسسية الداخلية مثل الأجندات وطرق العمل المختلفة الوضع تعقيدًا، فضلًا عن غياب المصطلحات المشتركة والتقارير المرحلية؛ (2) عدم توفر أي معلومات لدى مؤسسات المجتمع المدني عن وجود مجموعات العمل القطاعية وتكوينها وعملية الانضمام إليها أو الاتصال بها؛ (3) غالبًا ما تضمّ مجموعات العمل القطاعية، إن وُجدت، موظفين حكوميين و/أو ممثلين عن الحكومة لا يتمتعون بسلطة كافية لاتخاذ القرارات وبالتالي يفتقدون الحماس المطلوب.

على الرغم من عدم إغفال المنظمات الرئيسية التي صمّمت إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار للسياق السياسي في لبنان، إلا أن البنية المؤسسية التي أنشأتها لم تأخذ في الحسبان العقبات المؤسسية القائمة والجمود السياسي المستمر الذي يعيق الإصلاح البنيوي بشكلٍ كافٍ. وبالتالي، فقد صُمّمت مبادرات الإطار لتعزيز المؤسسات (كتفعيل التنسيق القطاعي وإنشاء هيئات مؤسسية أخرى مثل وحدة الإدارة المركزية على المستوى الوطني ووحدة التخطيط والتنسيق على مستوى البلديات 4) بحيث يسهل تحييدها أو إضعافها من قبل الحكومة وموظفي الإدارات العامة، ما قد يؤدي إلى ترسيخ الجمود السياسي والنظام السياسي الطائفي. وبالتالي، فقد يكون هذا مثال آخر عن كيفية تسهيل المساعدات لبقاء الطبقة السياسية الطائفية.

(3) مؤسسات المجتمع المدني على مقاعد الاحتياط
تعتبر المجموعة الاستشارية بنية مؤسسية مبتكرة تجمع مؤسسات مختارة من المجتمع المدني وتوفّر لهم منصة تتيح للحكومة والجهات المانحة سماع مطالبهم. تكتسب هذه المنصة أهميتها من غياب أي آلية تنسيق أخرى بين الحكومة والمجتمع المدني. في الواقع، يوفّر إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار لمؤسسات المجتمع المدني تمثيلًا رفيع المستوى في المجموعة الاستشارية 5، وفي هيئة الإشراف المستقلة، وفي تنفيذ الالتزامات والمشاريع على المستوى القطاعي. إلا أنّ الإطار لا يوفر طرقًا كافية لمؤسسات المجتمع المدني للعمل بشكل جماعي على نحوٍ متسق وفعّال.

اعتمد الإطار عملية اختيار غير واضحة لمؤسسات المجتمع المدني المشاركة في المجموعة الاستشارية تفضّل المؤسسات ذات المواقف المتمايزة في ما يتعلق بالإصلاحات وتنفيذ المشاريع، ولم يحدّد أي نظام للمداورة بين تلك المؤسسات. علاوة على ذلك، لا توجد آليات ملائمة لعمليات صنع القرار والتنظيم الفعال لمؤسسات المجتمع المدني، ممّا يفاقم مشكلة غياب التنسيق بين منظمات المجتمع المدني واتساع الفجوة بين قدراتها. وبالتالي، فقد أضاع الإطار فرصة تعزيز قدرة مؤسسات المجتمع المدني على اتخاذ تدابير جماعية حول الإصلاحات، ما حدّ من آفاق التغيير التدريجي.

توصّلت دراستنا إلى الاستنتاج بأن هناك عوامل داخلية وخارجية على حدٍ سواء 6 تقيّد فعاليّة مبادرات المجتمع المدني الإصلاحية. فافتقار الإطار إلى بنى إدارية وأحكام تنظيمية واضحة يثير التساؤلات حول النوايا التشاركية لأنها قد تؤثر سلبًا على عملية صنع القرار. يتجاهل المجتمع الدولي بُنى السلطة التي تعيق خاصيّة العمل التشاركي من خلال إلقائه مسؤولية التنسيق على عاتق مؤسسات المجتمع المدني وتركيزه على وزنها ضمن الإطار على مبدأ الشراكة الندّية. إن ذريعة المجتمع الدولي لعدم تزويد مؤسسات المجتمع المدني ببنى واضحة هو التمكين التصاعدي. إلا أن ذلك يفترض بأن مؤسسات المجتمع المدني قادرة على التنظيم الذاتيّ، وهو ما يتناقض مع نقص القدرات الذي أشارت إليه مؤسسات المجتمع المدني أنفسها ولا يأخذ في الاعتبار وجود فجوة في القدرات بين مؤسسات المجتمع المدني وأصحاب المصلحة الآخرين في الإطار. ترتبط فجوة القدرات هذه ارتباطًا وثيقًا أيضًا بنقص المعلومات المتاحة لمؤسسات المجتمع المدني، ما يحد من فعاليّتها في الشروع بالإصلاحات ومساءلة أصحاب المصلحة الآخرين في الإطار. مع ذلك، وبعد انتخاب رئيس مشارك جديد لمؤسسات المجتمع المدني في ربيع 2022 خلال الدورة الثانية في المجموعة الاستشارية، اتخذت مؤسسات المجتمع المدني خطوات جديدة لتنظيم جهودها الجماعية بشكل أفضل. فقد أنشأ الرئيس المشارك الجديد لجنة للتنسيق والتواصل بالإضافة إلى مجلس مؤسسات المجتمع المدني، ويشار إليه باسم المجلس، ويضم 12 ممثلًا عن مؤسسات المجتمع المدني (ستة من الدورة الأولى وستة من الدورة الثانية) لتعزيز طرق الحوكمة وصنع القرار. ويسعى الرئيس المشارك أيضًا للحصول على منح لدعم تشغيل وحدات التنسيق هذه.

تتفاقم حدّة هذه الثغرات والقيود بسبب تجاهل الحكومة للمجموعة الاستشارية ومؤسسات المجتمع المدني. فقد أصبحت اجتماعات المجموعة الاستشارية الرفيعة المستوى مسرحًا تتحدث فيه مؤسسات المجتمع المدني لبضع دقائق، لتقوم بعدها المنظمات الرئيسية بتوبيخ الحكومة على عدم إحرازها أي تقدم في مجال الإصلاحات. لا تشارك مؤسسات المجتمع المدني والحكومة في حوار مباشر، حيث يظهر مندوبو الحكومة في الكثير من الأحيان غير مهتمين بشواغل مؤسسات المجتمع المدني ومطالبها. وبالكاد يستمع رئيس الوزراء إلى خطابات مؤسسات المجتمع المدني، فيما ينشغل الوزراء بالدفاع عن مواقف أحزابهم السياسية.

خطوات واعدة وعثرات كثيرة

يُعدّ الإطار مثالاً عمليًّا عن العقبات التي تعيق فعاليّة المساعدات، ليس من خلال سيطرة النخبة فحسب، بل من خلال العلاقات المعقّدة بين الجهات المانحة التي تعرقل الاتساق في وسائل التدخّلات وبناها، بالإضافة إلى عدم القدرة على الاستفادة بشكل فعّال من مشاركة مؤسسات المجتمع المدني النشطة. وفي الواقع، وحتى تاريخه، ما زالت المماطلة في عملية تنفيذ الإصلاحات وتقديم الدعم للمؤسسات والمشاريع والامتناع عن بذل الجهد الكافي لتحقيقها مستمرة. ففي حزيران 2022، أشار تقرير الأمانة العامة المرحلي إلى تحقيق 10% من التزامات المسار الأول و1% فقط من التزامات المسار الثاني. ويفترض أن 68% من المسار الأول و58% من المسار الثاني قيد التنفيذ، في حين أن 2% من المسار الأول و41% من المسار الثاني "معلق أو متأخر".

يمكن معالجة مجموعات التحديات الثلاث لتعزيز الفعاليّة والمساءلة كما يلي:

أولًا، يجب على صنّاع القرار في الإطار توضيح أدوار مؤسسات المجتمع المدني إذا أرادوا تحسين فعاليّة المجموعة الاستشارية حقًا، وقد يكون ذلك من خلال مأسسة هذا الدور وجعله أكثر استدامة. بالإضافة إلى ذلك، يجب إضفاء طابع منهجي على قنوات الاتصال لتعزيز إمكانية وصول مؤسسات المجتمع المدني إلى المعلومات المتعلقة بالإطار.

ثانيًا، لا بد من تمكين الأمانة العامة للإطار من أداء دور تنسيقي أكثر تأثيرًا وتوفير المزيد من الموارد والدعم لمؤسسات المجتمع المدني في المجموعة الاستشارية.

ثالثًا، ينبغي على صنّاع القرار في الإطار الدفع قدمًا لتأليف مجموعات عمل قطاعية فورًا وتعيين أعضائها وتزويدها بتكليف واضح للعمليات. وقد يساهم ذلك في تعزيز التنسيق بين الركائز الأربع وفي البدء بالإصلاحات القطاعية. ركّزت عمليات الإطار بشكل أساسي على إنتاج عدد من المشاريع والبرامج (صندوق إعادة إعمار شركات بيروت بشكل أفضل7، ومشروع إعادة إعمار المساكن المتضرّرة وتعافي قطاعات التراث الثقافي والصناعات الإبداعية في بيروت8، واستعادة البيئة الحيوية وبرنامج الترميم وإدارة النفايات في بيروت9)  على حساب مأسسة عمليات الإصلاح. في السياق نفسه، ولمواجهة الجمود السياسي الناجم عن تأخر تشكيل الحكومة، يمكن منح الأولوية للإصلاحات ذات المتطلبات المؤسسية المتدنيّة (أي الإصلاحات التي تتطلب مشاركةً محدودة من الجهات الفاعلة السياسية من مختلف الأحزاب والمؤسسات)، كإنشاء مؤسسات منها وحدة الإدارة المركزية على مستوى الحكومة، ووحدة التخطيط والتنسيق على مستوى محافظة بيروت، حيث تحظى مؤسسات المجتمع المدني بدور مركزي في صنع القرار.

في الختام، يقدّم إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار نموذجًا مؤسسيًا لافتًا لبنية المساعدات المنبثقة عن المنظمات الدولية الرئيسية الثلاث (الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والبنك الدولي) والتي تقود إدارة التعافي من الكوارث عادةً، لا سيما من حيث إدراجها مؤسسات المجتمع المدني في هيئات الرقابة والإشراف وصنع القرار. ومع ذلك، يبدو أن مخطّط التعافي من الكارثة قد تصدّر الأولويات على حساب أصالة التجربة المؤسسية وتفعيلها. فالتحديات التي واجهتها المنصات على مستوى الدول في أماكن أخرى من العالم تتكرّر في تجربة لبنان مع الإطار من حيث: التنسيق غير الفعّال بين الجهات المانحة، والجمود التنظيمي، وإعادة إنتاج اضطراب الأوضاع السياسية، وضعف مأسسة عمليات الإصلاح. ومن الواضح أن هذا الإطار سيُذكَر في المستقبل باعتباره تجربة جديرة بالملاحظة من ناحية الهيكلة المؤسسية للمساعدات التي كانت حافلةً بوعود الإصلاح الفعّال والشفّاف، ومع ذلك فشلت جرّاء تعثّرها بمطبّات كثيرة.



نُشرت هذه المقالة على موقع مبادرة سياسات الغد  كجزء من مشروع أطلقته بالمشاركة مع مختبر المدن في بيروت وبتمويل من مركز بحوث التنمية الدولية International Development Research Centre (IDRC).


1 نجاة رشدي (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي) انتقلت إلى سوريا؛ ساروج كومار جا (البنك الدولي) يعمل الآن في واشنطن.


2 الرجاء مراجعة الأسئلة الشائعة حول إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار عبر هذا الرابط

 

3 أجري البحث بين أيلول 2021 ونيسان 2022 ضمن إطار مشروع أوسع يسعى لتقييم صيغ الحوكمة المنظّمة لآليات التعافي في المدينة بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، ومجموعة الجهات الفاعلة التي تحرّكت لتقديم الخدمات والمساعدات. أجرت المقابلات صوفي بلوميكيه لغرض رسالة الماجستير الخاصة بها. مشروع البحث هو من تصميم وإدارة د. منى حرب، مديرة البحوث في مختبر المدن في بيروت وأستاذة محاضرة في الجامعة الأميركية في بيروت، بالشراكة مع د. سامي عطالله، من مبادرة سياسات الغد. تضمن فريق البحث كل من صوفي بلوميكيه وحسين شعيتو ولونا الدايخ وسامي زغيب.

 

4 بناءً على طلب المجموعة الاستشارية للإطار وموافقة المنظمات الرئيسية، ستعمل وحدة الإدارة المركزية في الحكومة على تعزيز تنسيق المساعدات والتزامات الإطار بين أصحاب المصلحة المتعددين، مثل الوزارات والهيئات العامة والحكومات المحلية ومؤسسات المجتمع المدني والجهات المانحة. بادر مكتب رئيس الحكومة إلى الرد إيجابًا عبر إصدار مرسوم بتشكيل "لجنة استشارية مشتركة" في آذار 2021. ولكن، بعد مراجعتها من قبل أعضاء المجموعة الاستشارية، تبين أن اختصاصات اللجنة تضعف فعليًّا من دور ووظائف وحدة الإدارة المركزية. لم يستجب مكتب رئيس الحكومة لمراجعة المجموعة الاستشارية ولم يتابع اللجنة، التي باتت موجودة فقط على الورق، ولا يتخطى دورها الترويج لتنسيق المساعدات.

كما أن وحدة التخطيط والتنسيق، التي طالبت بها المجموعة الاستشارية لإطلاق استراتيجية التعافي الحضري المرتكزة على الناس مثال آخر على ذلك. حتى تاريخ إعداد هذا التقرير، كانت وحدة التخطيط والتنسيق قد خضعت لإعادة تصميم جعلت منها امتدادًا فضفاضًا للجنة الاستشارية الفنية الداعمة لإحدى مشاريع الإطار (الإسكان والثقافة). ولا تزال مؤسسات المجتمع المدني في المجموعة الاستشارية تضغط من أجل استقلالية وحدة التنسيق والتخطيط، إلا أن المنظمات الرئيسية ليست حريصة على تأييد هذه التوصية.

توضح وحدة الإدارة المركزية ووحدة التخطيط والتنسيق تفضيل كل من الحكومة والمجتمع الدولي التمسك بالمكاسب المصاحبة لصنع المشاريع السهلة نسبيًا، بدلًا من بذل الجهود في عمليات بناء المؤسسات التي من شأنها البدء بتغيير هياكل السلطة الحالية.

 

5 يراقب مجلس الإشراف المستقل الذي يقوده المجتمع المدني الإطار ويُفترض به ضمان الشفافية والمساءلة من خلال الإشراف الواسع على تنفيذ الإطار، على سبيل المثال، ومحاسبة أصحاب المصلحة على ما أُحرز من تقدّم. تشمل وظائف المجلس الرئيسية تقييم تطبيق المبادئ التوجيهية للإطار (الإدماج، وعدم إهمال أحد، إلخ..)، ومراقبة تنفيذ الإطار (متابعة توصيات السياسات من قبل المجموعة الاستشارية)، وإصدار التقارير وتشجيع مشاركة المواطنين. يتكوّن المجلس من ست مؤسسات مجتمع مدني. وحتى تاريخ إعداد هذه الدراسة، لم يكن المجلس فاعلًا بكامل طاقته بعد، وبالتالي لم نتناوله في هذا التحليل. ومن الضروري إجراء المزيد من البحوث لتقييم مجلس الإشراف المستقل واستكمال تحليل دور مؤسسات المجتمع المدني باعتبارها جهة مراقبة لتنفيذ الإطار.

 

6 المحددات الداخلية هي عوامل تقع ضمن نطاق مؤسسات المجتمع المدني أو، بعبارة أخرى، تتعلق باختصاصها وقدراتها على إعادة تشكيل هياكل الحوكمة. في المقابل، تشير المحددات الخارجية للفعالية إلى عوامل خارج نطاق اختصاص مؤسسات المجتمع المدني.  

 

7 للمزيد من المعلومات حول الصندوق B5، الرجاء الدخول إلى الرابطين هنا وهنا.

 

8 للمزيد من المعلومات حول مشروع إعادة إعمار المساكن المتضررة وتعافي قطاعات التراث الثقافي والصناعات الإبداعية في بيروت، يمكنكم الدخول إلى الرابط هنا وهنا.

 

9 للمزيد من المعلومات حول برنامج التأهيل البيئي الملح والترميم وإدارة النفايات في بيروت، يمكنكم الدخول إلى هذا الرابط.