رصد الإبادة المدينية في غزة
يسعى هذا المشروع إلى توثيق ومراقبة الإبادة المدينية الجارية في غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 من خلال بناء خريطة رقمية محدّثة مؤلفة من عدة طبقات ونموذج ثلاثي الأبعاد للقطاع. كما يُعدّ المشروع بمثابة أرشفة هدفها التصدّي لعملية المحو المتواصلة واستعادة ما كان قائمًا هناك وفرض ظهوره وإعادة تحديد نقطة البداية التي يمكن أن ينطلق منها الحوار حول التعافي.

 

يمكنكم الدخول إلى المنصة عبر هذا الرابط: https://bit.ly/Urbicide

مديرة المشروع: هويدا الحارثي
منسّقة المشروع: بتول ياسين
فريق الأبحاث: مريم بزي، وئام حداد، رنا خشاب
قاعدة بيانات GIS: شريف ترحيني
فريق التصوير البياني: أحمد غربية، عبير شعيتلي
فريق المتدربين: إيلي قزي، بيليندا فهد، كريستينا غصن، روبان مارديروسيان، زينة مدلج، دانا مراد، كريستينا صايغ

السياق

الإبادة المدينية، كما يجادل مارتن كاورد1، لا تشمل التدمير المادي للمباني والبنى التحتية فحسب بل تعطيل الشبكات الاجتماعية والثقافية وتهجير السكان ومحو الذاكرة الجماعية. لذا فإن مصطلح المدينية في هذا المشروع يشير إلى البنية الشاملة والمتعدّدة الطبقات والمترابطة. وفي حالة غزة، لا يُعدّ العنف القائم ضد البيئة المبنية ناتجًا عرضيًا للعمليات العسكرية فحسب، بل تتجلى الإبادة المدينية كاستراتيجية تتبعها إسرائيل لزعزعة سبل عيش الشعب الفلسطيني وتطوّره وثقافته.

تأسس قطاع غزة منذ عام 1948 كمنطقة فلسطينية "استثنائية" حكمها المصريون ثم الإسرائيليون. أدمج "القطاع" المدن التاريخية ومخيماتها والأراضي الزراعية المحيطة بها وحوّلها إلى رقعة محاصرة يحتجز فيها الإسرائيليون االفلسطينيين. تحوّلت البيئة العمرانية المكتظة بالسكان في غزة، والتي تضمّ المدن الكبرى وثمان مخيمات للاجئين وأكبرها مخيم جباليا، إلى ساحة معركة وهدف في آنٍ معًا حيث تتحمّل البنى المدنية والأحياء السكنية العبء الأكبر للعنف. غير أن الإبادة المدينية الجارية في غزة ليست حادثة منفردة بدأت في السابع من أكتوبر. بل هي انفجار حاد في سياق تاريخي حافل بالعنف المستمر أُخضعت غزة من خلاله إلى الاحتلال العسكري والحصار والحظر وحلقات متكررة من الهجوم العسكري الذي سعى إلى استنزاف السكان المدنيين في القطاع.

على مدى الأشهر الستة الماضية، شهدت غزة التي تمتدّ على مساحة 365 كيلومتر مربع بكثافة سكانية تبلغ 2,3 مليون نسمة عمليات عسكرية طاحنة دمّرت أحياء سكنية بأكملها وحصدت عددًا لا يحصى من الأرواح. تسبّبت الإبادة المدينية الناجمة عن القصف الجوي والمدفعي للمباني السكنية والشوارع بمعاناة هائلة في غزة وفاقمت من الأزمات الإنسانية وشرّدت مئات الآلاف من العائلات. قُتل 34,305 شخصًا2 على الأقل وهجّر جميع سكان القطاع تقريبًا3. حتى تاريخ 29 شباط/فبراير، تضرّر 27.4% من مجموع المباني في قطاع غزة حيث دُمّر 27,157 مبنى وتضرّر 15,714 مبنى تضرّرًا بالغًا، و38,779 تضرّرًا متوسطًا.

تظهر هذه الأرقام ارتفاعًا هائلاً في العدد الإجمالي للمباني المدمّرة أو المتضرّرة بشكل بالغ (48,106) بالمقارنة مع ما تضرّر من المباني في جميع العمليات العسكرية الإسرائيلية الأربع السابقة التي شُنّت بين عامي 2008 و2021 (10,326)4، مع العلم أن الحملات العسكرية السابقة قد شُجبت عالميًا بسبب حدّة الأضرار التي وقعت على السكان والمباني. لذا تُعدّ الحملة الأخيرة التي خضعت لها غزة استثنائية من حيث العنف والدموية، حيث دمّرت الحملة الإسرائيلية البنى التحتية الأساسية، كالمدراس والمستشفيات والمواقع الأثرية وأرشيف الدولة وحتى البيوت البلاستيكية، بشكل منهجي. ومما لا شك فيه أن إسرائيل قد باشرت حملة إبادة مدينية وهي فعل مخطط له لمحو وتدمير البيئة المدينية وما تمثّله من إحساس بالهوية الجماعية والمجموعات المحلية والثقافة.

يصف الأستاذ في جامعة شارلز داروين الدكتور عوني عطيوة الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة بأنه فعل "إبادة بشرية ومدينية" ويشمل أعمال الإبادة الجماعية والتدمير المتعمد للمدن في الوقت نفسه، والتي تؤدي إلى خسائر فادحة في الأرواح ودمارًا في المناظر المدينية5.

المحتوى

هذه المنصة هي عمل جارٍ يسعى الفريق العامل على مشروع غزة في مختبر المدن إلى تطويره. لا يكتفي المشروع برصد الدمار في البيئة المبنية بل رصد التهجير وتحليل تداعياتهما الطويلة الأمد على التعافي.

يتمثّل المشروع حاليًا بإنتاج خرائط ترصد الإبادة المدينية وتوثّق الأضرار التي لحقت بمختلف طبقات البيئة المبنية بما في ذلك المباني والمساحات الخضراء/المفتوحة والمؤسسات مثل الجامعات والمدارس والمستشفيات والمباني الحكومية وكذلك الأراضي الزراعية والبنى التحتية. يوثّق هذا الرصد الضرر في فواصل زمنية مختلفة من 7 أكتوبر فصاعدًا. تُعدّ الخرائط بمثابة سجل أرشيفي للعنف الواسع النطاق الذي تعرّض له التكوين الثقافي والتعليمي والهيكلي والبيئي في غزة.

المنهجية والأهمية

بدأ هذا العمل ببناء خريطة أساسية محدثة مسندة جغرافيًا مبنية على المساحات التي تشغلها المباني والتي يعود تاريخها إلى ما قبل أحداث السابع من أكتوبر. ويعدّ هذا أول إسهام فريد يقدمه هذا المشروع حيث أن باقي الخرائط الأساسية المنشورة غير محدّثة. ولبناء هذه الخريطة الأساسية الرقمية والنموذج الثلاثي الأبعاد، بذلت جهود حثيثة لتوحيد البيانات المتاحة من مصادر متعددة والتحقّق منها وتحديثها وفقًا للظروف القائمة قبل أكتوبر 2023. تضمّنت المصادر Open Street Maps و Microsoft footprints وصور الأقمار الصناعية الملتقطة في تواريخ مختلفة ونموذج ثلاثي الأبعاد حصلنا عليه منVISICOM . وأجريت عملية التأكيد يدويًا لكل مبنى على حدة عبر مصادر متعددة غطّت 298,960 مبنى. ويشمل التحديث إضافة أو تعديل المساحات التي يشغلها 174,358 مبنى وإزالة 24,946 مبنى في الخريطة الموحّدة التي تم إنشاؤها من المصادر المتاحة. وقد جمعت بيانات إضافية من مصادر مختلفة لتحديد المؤسسات ومرافق البنى التحتية بالإضافة إلى المواقع التراثية والأثرية. تم الحصول على البيانات الأولية المتعلقة بالمدارس والجامعات من مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية OCHA والبيانات المتعلقة بالمواقع التراثية والأثرية من رواق. ثم تمّ تحديث هذه البيانات ومراجعتها باستخدام Open Street Maps و Google Earth ومصادر إعلامية الأخرى. تمكّن فريق العمل من مسح 1396 مؤسسة تضم مؤسسات دينية  وتعليمية وصحية وثقافية وحكومية وترفيهية ومرافق تابعة لمنظمات غير حكومية محلية ودولية. سيواصل الفريق إضافة المزيد من المؤسسات إلى اللائحة مع تقدّم العمل وحين يتاح الدخول إلى المزيد من الموارد. كما تم تحديث النموذج الثلاثي الأبعاد الذي حصلنا عليه من VISICOM بالإضافات والإزالات نفسها التي استتُخدمت في الخريطة الأساسية الثنائية الأبعاد. مُنحت المباني المضافة بعد عملية التحقق ارتفاعًا افتراضيًا هو 3 أمتار مع العلم أن الغالبية الساحقة من تلك المباني هي وحدات خدمات للأراضي الزراعية القائمة ضمن المنطقة الفاصلة من خط ترسيم الحدود.

أما الإسهام الثاني الذي يقدمه هذا المشروع فهو إضافة طبقة كاملة من المساحات الخضراء والمفتوحة إلى الخريطة الأساسية ورصد الدمار الذي حلّ لاحقًا. لم تتوفر هذه الطبقة في أية تقييمات أو خرائط صدرت عن غزة. أنتجت هذه الطبقة عبر تحليل صور الأقمار الصناعية وتحدبد أنماط المشاهد التي صُنّفت إلى مشاهد طبيعية ومشاهد مؤسسية ومشاهد زراعية. تضم المشاهد الطبيعية: 1) ضفاف الأنهار: المنطقة التي تصل ما بين النهر/الجدول والبرّ، و2) الساحلية: البرّ المحاذي للبحر، و3) الأحراش: البرّ الذي يشمل نباتات منتشرة ويضم مجموعة من الشجيرات والفصائل البرية. وتشمل المشاهد المؤسسية: 1) التعليمية: المساحات المفتوحة المحيطة بالمدارس والجامعات والمراكز التعليمية الأخرى، و2) الدينية: المساحات المفتوحة المجيطة بالمساجد والكنائس والتي تستخدم غالبًا للقاءات والتجمعات، و3) الترفيهية: المنتزهات والمساحات المجتمعية والكورنيش والملاعب، و5) الصحية: المساحات المفتوحة المحيطة بالمستشفيات كالساحات المفتوحة ومواقف السيارات، و5) الحكومية: المساحات المفتوحة المحيطة بالمباني الحكومية والشاغرة بمعظمها، و6) المدافن: وهي مساحات شاسعة لدفن الموتى فيها قبور مبعثرة بشكل عشوائي. وتشمل المشاهد الزراعية شبكات الأراضي الصالحة للزراعة كما تم تحديدها عبر صور الأقمار الصناعية. كما رُسمت البيوت البلاستيكية وحدة وحدة بناءً على صور الأقمار الصناعية المتاحة.

أما الإسهام الفريد الثالث فهو عرض الدمار على مستوى المساحات التي تشغلها المباني بالنسبة إلى مشاريع تصوير الدمار الأخرى في غزة وذلك من خلال مراكمة مجموعات البيانات الخاصة بالدمار مع المساحات المحدثة التي تشغلها المباني والمساحات العامة. وكان المصدر الرئيس للبيانات الذي استخدم لرصد الأضرار اللاحقة بالنسيج العمراني قاعدة بيانات الأضرار المسندة جغرافيًا التابعة لليونوسات UNOSAT للتواريخ التالية: 15 تشرين الأول/أكتوبر و7 تشرين الثاني/نوفمبر و26 تشرين الثاني/نوفمبر و7 كانون الثاني/يناير و29 شباط/فبراير. واستُخدم مصدر البيانات نفسه للمساحات المفتوحة/الخضراء للتواريخ التالية: 27 تشرين الأول/أكتوبر و11 تشرين الثاني/نوفمبر و11 كانون الأول/ديسمبر و 30 كانون الثاني/يناير.

وخلال عملية جمع البيانات من مختلف المصادر والتحقّق من صحتها، ظهرت عدّة تحديات من بينها وجود أوجه تباين وثغرات في مصادر البيانات بالإضافة إلى التدابير الأمنية التي أعاقت الوصول إلى صور الأقمار الصناعية. ولذلك يواصل الفريق التصدّي لهذه التحديات ومعالجتها مع الحفاظ على إخلاصه لمصادر البيانات المؤكدة قدر الإمكان بالنظر إلى عمله عن بعد والمسافة التي تفصله عن مكان الأحداث وغياب العمل الميداني.

سوف يستمر مشروع رصد الإبادة المدينية، وسنرصد في الإصدار التالي الأضرار التي لحقت بمرافق البنية التحتية. ومع ذلك، ستظل عملية الرصد صعبة وغير مكتملة في ظل نقص البيانات وغياب المرويّات. إن مشاركة الناس في غزة في بناء هذا الأرشيف أمر بالغ الأهمية في المراحل المقبلة ومن أجل تصوّر عملية التعافي.

الأضرار اللاحقة بالمباني في غزة. المصدر: مختبر المدن في بيروت بالاستناد إلى بيانات من يونوسات UNOSAT
الأضرار اللاحقة بالمباني في غزة. المصدر: مختبر المدن في بيروت بالاستناد إلى بيانات من يونوسات UNOSAT
الأضرار اللاحقة بالمساحات الخضراء/المفتوحة في غزة. المصدر: مختبر المدن في بيروت بالاستناد إلى بيانات من يونوسات  UNOSAT
الأضرار اللاحقة بالمساحات الخضراء/المفتوحة في غزة. المصدر: مختبر المدن في بيروت بالاستناد إلى بيانات من يونوسات UNOSAT
الأضرار اللاحقة بالمؤسسات في غزة. المصدر: مختبر المدن في بيروت بالاستناد إلى بيانات من يونوسات UNOSAT
الأضرار اللاحقة بالمؤسسات في غزة. المصدر: مختبر المدن في بيروت بالاستناد إلى بيانات من يونوسات UNOSAT

المراجع

1 مارتن كاورد، Urbicide: The Politics of Urban Destruction  (2009)

2 المصدر: https://www.pcbs.gov.ps/site/lang__en/1405/Default.aspx 

3 المصدر: https://www.unocha.org/occupied-palestinian-territory#:~:text=A%20US%241.2%20billion%20Flash,and%20through%2031%20December%202023

4 2,852 هو مجموع المباني في غزة التي إما دُمّرت أو تضرّرت أضرارًا بالغة خلال حملة عملية الرصاص المسبوك في 2008-2009، في حين زاد عدد المباني إلى 10,326 مبنى في حملة الجرف الصامد 2014. المصدر: يونيتار/ يونوسات UNITAR/UNOSAT (2014). مقارنة من حيث الكثافة للمباني المدمرة والشديدة التضرر في قطاع غزة، الأرض الفلسطينية المحتلة بين عامي 2009 و2014. www.unitar.org/unosat 

دُمّر 450 منزلًا (بما في ذلك مبانٍ بها وحدات سكنية مفردة ومتعددة) في غزة تدميرًا كاملاً أو لحقت بها أضرار بالغة خلال حملة عمود السحاب في عام 2012. المصدر: https://www.un.org/unispal/document/auto-insert-201184

خلال حملة الجدار الحديدي في عام 2021، تم تدمير أو تضرّر 337 مبنى. المصدر: يونيتار/ يونوسات (UNITAR/UNOSAT (2022. تحليل قطاع غزة الأرض الفلسطينية المحتلة.

5 المصدر: https://newshub.medianet.com.au/2023/11/cdu-expert-removing-the-semantic-fog-around-compassion-and-geno-urbicide-in-gaza/26360/