الضربات والمواقع الحيوية في الضاحية: المرافق الصحية والتعليمية

خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان وفي غضون المفاوضات على وقف إطلاق النار، كان مختبر المدن في بيروت في طور توثيق استهداف العدوان لجميع أشكال الحياة وتهجيره للناس بصورة قسرية ممنهجة. وفي إطار هذه الجهود، كان المختبر يرصد آثار الضربات على المواقع الحيوية، كالمرافق الصحية والتعليمية والأسواق والشوارع التجارية والمباني الدينية.

تحدّد خريطتا "الضربات والمواقع الحيوية في الضاحية: المرافق الصحية/المرافق التعليمية" 279 ضربة معلنة على جنوب بيروت على امتداد 61 يومًا (بين 27 أيلول/سبتمبر و26 تشرين الثاني/نوفمبر 2024). لا تشمل الخريطة الضربات الإضافية غير المعلنة.

تُظهر الخريطتان بأن أكثر من نصف الضربات المعلنة على جنوب بيروت قد أصاب محيط ما يزيد عن 75% من المرافق الصحية في المنطقة، وأن ما يزيد عن 90% من الضربات المعلنة قد أصاب محيط ما يُقارب الـ 80% من المرافق التعليمية في المنطقة.

 تتفاوت أحياء الضاحية بشكل كبير من حيث الكثافة السكانية وعمر المباني وحالاتها وتضمّ النسيج العمراني القديم والمكتظ والمتماسك في منطقتي برج البراجنة والمريجة، مثلاً، حيث يُرجّح بأن تأثيرات الضربات كانت أكثر فتكًا من منطقتي حارة حريك والسانت تيريز اللتين تُعدّان أحدث بناءًا وأكثر انتظامًا وأقل اكتظاظًا. لكن البنية العمرانية في الضاحية كثيفة بشكل عام، لذا كان من الطبيعي أن تُخلّف الضربات آثارًا جسيمة على محيط  كافة المباني المستهدفة، بما في ذلك المواقع الحيوية العديدة المحاذية لها.

المرافق الصحية

تُبرز الخريطة 35 مرفقًا صحيًا في أحياء جنوب بيروت وتستند بياناتها إلى القائمة التي نشرها موقع وزارة الصحة العامة إضافةً إلى بحوث مكتبية أجراها المختبر. تلقى 27 مرفقًا منها ضربات في محيطه.

يمكن تقسيم المرافق الصحية الـ 27 إلى فئتين: 7 مستشفيات خاصة و18 مركزًا للرعاية الصحية الأولية (يدير هذه المراكز الصليب الأحمر اللبناني ومنظمات غير حكومية محلية منتسبة إلى وزارة الصحة) ومركزين آخرين للرعاية الصحية. مراكز الرعاية الصحية الأولية هي مرافق قائمة في الأحياء السكنية تقدّم العناية الطبية الأولية وخدمة الطوارىء للسكان، بالإضافة إلى الخدمات العيادية المتعلقة بطب الأطفال والأمراض النسائية والتوليد والعلاج الفيزيائي وغسيل الكلى وغيرها. تعمل هذه المراكز كمراكز اجتماعية ضمن الأحياء وتقدّم الخدمات الرعائية للمسنين والنساء والأطفال الذين يعيش معظمهم في ظروف غير مستقرة.

من المؤكّد أن نطاق تأثير الضربات يتجاوز المباني المستهدفة، ملحقًا الدمار والضرر بمناطق واسعة في محيطها، وفقًا لنوع الذخيرة المستخدمة وحجمها. اختار مختبر المدن مسافة 340 مترًا كـ"نطاق فتّاك" (*) لإحصاء عدد الضربات التي طالت محيط المرافق الصحية.

تُظهر الخريطة أن أكثر من نصف الضربات المعلنة على الضاحية (142 من أصل 279) أصابت محيط 77% من المرافق الصحية في المنطقة (27 من أصل 35). وتشمل:

-        سبع مستشفيات؛ مستشفى بهمن، أحد أكبر مستشفيات الضاحية الذي تلقّى 21 ضربة في محيطه؛ مستشفى الساحل الذي تلقى 9 ضربات في محيطه؛ ومستشفى برج البراجنة الذي تلقى 8 ضربات في محيطه؛ ومستشفى السانت تيريز الذي تلقى 5 ضربات في محيطه؛ ومستشفى الحياة الذي تلقى ضربتين في محيطه؛ ومستشفى الرسول الأعظم ومستشفى سان جورج الذي تلقى ضربة واحدة في محيطه.

-        ثمانية عشر مركزًا للرعاية الصحية الأولية؛ تلقى نصف عدد مراكز الرعاية الصحية الأولية ما يزيد عن 10 ضربات في محيطها. تلقّت مؤسسة عامل وهي مؤسسة علمانية تدير أربعة مراكز للرعاية الصحية في الضاحية 23 ضربة حول محيط مركزها في بعجور (برج البراجنة) و20 ضربة في محيط مركزها في حارة حريك وبينما تلقى مركز دار الحوراء في بئر العبد 22 ضربة في محيطه و4 ضربات في محيط مركزها في الشياح. تلقّى مركز الصليب الأحمر اللبناني 10 ضربات في محيط فرعه في الشياح و 9 ضربات في محيط فرعه في الليلكي.

تندّد المفكّرة القانونية بالاعتداءات على المستشفيات والطواقم الطبية باعتبارها جرائم حرب وتستشهد ببروتوكولات معاهدة جنيف التي تنصّ على تمتّع المستشفيات بحماية خاصّة تشمل جميع الجرحى بغض النظر عن كونهم من المقاتلين أم غير ذلك. كما توضح المفكرة القانونية بأن استهداف المستشفيات هو خرق لقواعد الحرب من خلال تهديد المرضى والمصابين الذين تضمن قواعد الحرب حمايتهم.

 

المرافق التعليمية

تُظهر الخريطة 128 مرفقًا تعليميًا رسميًا وخاصًا، تشمل المدراس والجامعات والمعاهد المهنية. أصاب 91% من الضربات المعلنة الـ 279 محيط 78% من المرافق التعليمية في جنوب بيروت (101 من أصل 128).

تعرّضت محيط جميع المرافق التعليمية في دوائر برج البرج البراجنة (24) وحارة حريك (16) والمريجة-التحويطة-الليلكي (16) للضربات، ونصفها في الغبيري (18 من أصل 36).

ضمّ النطاق الفتّاك للضربات المعلنة 90 من أصل 24 مدرسة رسمية و90 مدرسة خاصة (78%). كانت مدراس الليسيه أميكال وأشبال الساحل والليسيه دي لافينس وحسن كامل الصباح الخاصة الأكثر عرضة للتهديد، حيث تلّقت ما يزيد عن 20 ضربة في محيطها. تلقى معظم الجامعات والمعاهد المهنية الـ 15 ضربات معلنة في محيطها: تلقّت جامعة آزاد في حارة حريك 27 ضربة في محيطها؛ ومعهد الآفاق في حارة حريك أيضًا 24 ضربة في محيطها؛ ومعهد الكفاءات 16 ضربة في محيطه؛ ومعهد العاملية في الغبيري 13 ضربة في محيطه؛ وجامعة العلوم والفنون في لبنان 11 ضربة في محيطها. أُصيبت 16 مؤسسة تعليمية في أكثر من 15 ضربة ضمن النطاق الفتّاك المحدّد. تعرّض ثلث المؤسسات التعليمية (38) لما يزيد عن 10 ضربات معلنة في محيطها، يقع 14 منها في حارة حريك و14 في المريجة-التحويطة-الليلكي والحدث.

لم يدمّر القصف الذي يستهدف الضاحية المباني والمنازل والمحلات التجارية والأرزاق فحسب بل ألحق ضررًا مباشرًا بالمرافق الصحية والتعليمية وهذا دليل إضافي على أن العدوان الإسرائيلي كان يدمّر المواقع الحيوية في لبنان بشكل متعمّد ويقضي على كل أشكال الحياة ويهجّر الناس قسريًا.

 

 

(*) يُشير مصطلح "النطاق الفتّاك" إلى المنطقة المحيطة بالموقع المستهدف بالقصف التي يتعرّض فيها الناس للإصابة أو الموت، ويتسّع هذا النطاق تناسبيًا كلما ازداد ثقل الذخيرة المستخدمة. تبنّى المختبر مسافة 340 مترًا استنادًا إلى مقال نُشر في موقع سي أن أن CNN  يناقش آثار القصف الإسرائيلي على القطاع الصحي في لبنان. وضعت هيئة الأمم المتحدة حاسبًا سمّته "تقدير الأضرار الناجمة عن الانفجار" يقارب نطاقات الإصابة والوفاة والأضرار اللاحقة بالمباني ولكنّه يتطلب معرفة نوع المتفجّرات وحجم الشحنة وهذا أمر لا يمكن للمختبر معرفته.  في دراسة حديثة، وثّق موقع ذا ناشونال The National  استخدام صواريخ  MK83 و MK84 خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان (وزن الذخيرة 1,000 و2,000 رطلاً)